صورة بعدسة: أسامة إسبر
سوزان المحمود
ما نحاول القيام به هنا هو محاولة رصد بعض التغيرات التي حدثت على واقع الطباعة والنشر والقراءة في سوريا في ظل ظروف الحرب والدمار الكبير الذي حلَّ بالبلاد من خلال حوارات قصيرة مع عدد من المثقفين والصحفيين وأصحاب دور نشر ومكتبات في بعض المدن السورية الرئيسية، حيث تتركز دور النشر بالدرجة الأولى في العاصمة دمشق تليها حلب واللاذقية وطرطوس كما حاولنا رصد واقع الطباعة والقراءة في بعض مدن الجزيرة والشمال السوري التي خرجت منذ سنوات عن سلطة النظام السياسي المركزي في دمشق، لكنها وقعت تحت سيطرة سلطات أخرى، كسلطة الإدارة الذاتية الكردية في كوباني و ما حولها من مناطق ذات الغالبية الكردية وكسلطة الفصائل المسلحة الأخرى، كالدولة الاسلامية في العراق والشام أو ما يعرف اختصارا بـ (داعش) في الرقة وغيرها، إحدى نتائج الحرب المستمرة كانت تدمير عدد كبير من المراكز الثقافية التي كانت تحتوي آلاف مؤلفة من الكتب، ومن المكتبات الخاصة ومن مستودعات الكتب واللوازم الطباعية، هذا غير سرقة وتهريب آلاف المخطوطات التراثية النادرة والقديمة، كما حدث في مدينة حلب، وبالتالي يكون الفكر والثقافة والتعليم، قد دفعوا أثماناً باهظة في هذه الحرب المستمرة منذ سنوات، يتناول هذا التقرير النشر التقليدي والطباعة التقليدية أي النشر الورقي الذي يعتمد على الكتب والمجلات والصحف، وليس النشر الالكتروني. اختلفت طبيعة الأسئلة بين المناطق بحسب الوضع الراهن في هذه المناطق، وبالتالي اختلفت طرق الإجابة بحسب الطبيعة السلطوية التي تحكم كل منطقة.
كما حدثت تغييرات كبيرة على جغرافية تواجد المثقفين فقد حدثت حركة نزوح وهجرة كبيرة للمثقفين من مدن ومناطق إلى مدن أخرى أو إلى بلدان أخرى بسبب الأوضاع السياسية والأمنية والمعيشية المضطربة حيث هاجر عدد كبير من المثقفين خارج البلاد، من جميع المدن السورية (كما حدث لمثقفي المناطق التي وقعت تحت سلطة الإدارة الذاتية والمناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة المتشددة، ومن العاصمة دمشق وريفها، ومن المدن السورية الداخلية والساحلية جميعها ) وقام عدد آخر فضل البقاء في البلاد بتغيير أماكن إقامتهم فعاد عدد منهم إلى مدنهم الأم المستقرة نسبيا ً.
في المناطق االتي تحت سلطة الدولة
يتركز تواجد دور النشر والمطابع في سوريا في المدن الرئيسية وفي العاصمة دمشق بالدرجة الأولى، ومنها كان يتم التوزيع لباقي المحافظات في الدولة عن طريق المؤسسة العامة للمطبوعات وبعض موزعي القطاع الخاص، وتأثرت دور النشر جميعها بالحرب المستمرة منذ خمس سنوات والتي تسببت بتدمير وحرق عشرات المستودعات في ريف دمشق، (لم يتم حصر الأضرار حتى الآن)، وبالحصار والعزلة المفروضة على السوريين (خاصة الذين لايزالون في الداخل السوري) بسبب الوضع السياسي المعقد، كما تأثرت بانخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار تأثيرا مباشرا، وبصعوبات النقل وغيرها، طرحت هنا بعض الأسئلة على عدد من اصحاب دور النشر الذين لايزالون في الداخل السوري وحاولت أن افهم هواجسهم وظروفهم والصعوبات التي تعانيها دورهم، وكيف يتكيفون مع ظروف الحرب ونتائجها، وإن كان هناك قوانين تحميهم وتعوض خسائرهم وعن دور اتحاد الناشرين السوريين بوصفه مؤسسة ترعى مصالحهم، وعن رؤيتهم لواقع القراءة اليوم.
يقول الأستاذ سامي أحمد وهو شاعر وناشر وصاحب "دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر" :"توقفت عن نشر الكتب لمدة عام ونصف بسبب الحرب وفكرت بالهجرة، لكنني عدلت عن الفكرة في اللحظة الأخيرة وفضلت مواصلة العمل هنا ونشر الكتب رغم الصعوبات، واستمريت في المشاركة في معارض الكتاب، شاركنا مؤخرا ًفي معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والثلاثين الذي أقيم بين 4-14-2015 و معرض بيروت الدولي للكتاب في دورته التاسعة والخمسين في 28-11-2015.
وحول المشاركة السورية في معرض الشارقة الأخير يقول الأستاذ سامي "كان هناك سبعون دار نشر سورية مشاركة في المعرض معظمها من خارج سورية من بيروت والقاهرة والإمارات، وغيرها، بينما شاركت 15 داراً فقط من الداخل السوري، وشاركت دار التكوين ب 400عنوان هذا العام في معرض الشارقة و بـ300 عنوان في معرض بيروت، وعن رغبته في مواصلة نشر الكتب يقول الأستاذ سامي "أعلم أنها مغامرة لكنني سأستمر بالعمل هنا" وتقوم دار التكوين بالإعداد لأسبوع ثقافي سنوي، ولحفلات توقيع للكتب الجديدة الصادرة عن الدار.
وعن تأثير سنوات الحرب على النشر يقول الأستاذ سعيد البرغوتي صاحب دار كنعان "الأزمة تركت آثاراً بالغة بالنسبة لدار كنعان، فنحن كنا نصدر سنويا ما يقارب الأربعين عنواناً، لكن في السنوات اﻷربع الأخيرة أصدرت الدار أربعة عناوين فقط! وتلك آثار مدمرة، لأن العناوين الجديدة هي التي تتيح استمرار الدار وتطورها. الأمر الذي وضع الدار عمليا في مأزق شديد الصعوبة، يهدد استمرارها، وعند سؤالنا إن كانت الصعوبات هي في ارتفاع أسعار المواد الأولية للطباعة أم في التسويق للكتب؟ أجاب "الأمر أكثر تعقيدا بحصره بسبب أو سببين، هناك صعوبة باستدراج العناوين المناسبة، وهناك صعوبة بتكاليف الترجمة، إضافة لارتفاع أسعار كافة المواد، وشحن الكتب، وتكاليف السفر والمعيشة، وغير ذلك.
وعن دور اتحاد الناشرين السوريين إن كان يقدم أي تسهيلات او خدمات حقيقية. يقول" "خدمات الاتحاد إدارية ليس أكثر، لأن الصعوبات موضوعية أنتجتها الأزمة. طبعا الأزمة لم تؤثر في كافة دور النشر، وخاصة المقتدرة ماليا، فتأثر تلك الدور يبقى محدودا.
وعندما سألنا الأستاذ سعيد عن إحدى تعليقاته في معرض الشارقة على حيتان النشر ومن يقصد بذلك؟ أجاب "لم أقصد بذلك تجريحا أو ما يحيل على شيء سلبي بإحدى تلك الدور، ذلك فقط لإمكانياتها التي جعلتها في مأمن من التأثر باﻷزمة، وحافظت بالتالي على سويتها ومكانها في المعارض. فمن الطبيعي أن دارا تنتج كما كبيرا من الكتب، أن تظفر بشروط أفضل من غيرها، وذلك يسهم آليا باستمرارها وعدم تأثرها، وكل ذلك لا يطال نوعية الكتب وتقييمها بين هذا وذاك.
وحول واقع القراءة و تأثير الحرب عليه يقول برغوتي" واقع القراءة مأزوم تاريخياً لأسباب تربوية بالأساس، تليها أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية. أزمة القراءة ليست محصورة في بلدان الأزمة، كسوريا مثلا، بل هي في عموم البلدان العربية ، وهذا لا ينفي أن أزمة القراءة تتعاظم في البلدان التي تجتاحها الأزمات".
وعن وضع دور النشر في هذه الظروف يقول الدكتور مصعب الجندي صاحب ومدير دار "الجندي":
"دوماً وفي جميع الأزمات التي تمر فيها المجتمعات البشرية ، خاصة ً إذا بلغت الأزمة ذروة الصراع الدموي، أول النشاطات (الاجتماعية/الاقتصادية) تأثراً هو قطاع الطباعة والنشر خاصةً وما يرتبط منها بالثقافة عامة ً، حيث أن الناس تبدأ بالبحث عن ما يبقي استمرارية الحياة، وللأسف القراءة تصبح في آخر الأولويات . في سوريا وعلى الرغم من قسوة الحاضر و دمويته لا تزال بعض دور النشر والمطابع تصارع للبقاء وتعتمد في نشاطها على المعارض الخارجية .. طبعاً هناك أثر سلبي آخر هو انتشار الفوضى وفقدان الضوابط والحماية لدور النشر من خلال انتشار الكتب المزورة والمطبوعة طباعة تجارية رخيصة ومن دون حفظ حقوق الناشر أو المؤلف . بالنسبة لدار الجندي فقد كان الأثر كبيراً والخسائر تكاد تأتي على كل ما تملكه الدار، لأن مقرها الرئيسي في مدينة عربين التي أصبحت شبه مدمرة، ومستودعاتها في قرية الشيفونية في الغوطة الشرقية . وللأسف الشديد لا يوجد قوانين خاصة بحماية الدور في سوريا، وبالرغم من ذلك ننظر للأمر بأن مصابنا مصاب السوريين جميعهم . للأسف لم تقم الدار بنشر أي عنوان جديد منذ عام 2011 ، ولا نية لنا بطباعة أي إصدار قديم أو جديد. أكثر الكتب رواجاً في سوريا هي الكتب التراثية، تليها الروايات المترجمة، .. للأسف لا تزال المؤلفات لكتاب عرب وسوريين أقل رواجاً وغالباً ما يتم الترويج لها من خلال معارض الكتب وحفلات التوقيع . تجربة اتحاد الناشرين السوريين لم تكتمل بسبب هيمنة الأجهزة الوصائية عليها ( الرقابة والمؤسسات الرسمية ) ومع ذلك يقدم الاتحاد الكثير من الخدمات للناشرين السوريين كالمشاركة وإبلاغهم بمواعيد المعارض الخارجية" .
الأستاذ جامع بهلول صاحب دار "الحصاد" يقول (من التأثيرات التي لحقت بقطاع الطباعة والنشر توقف كثير من المطابع ومراكز التجليد عن العمل، (إما بسبب وقوعها في المناطق الساخنة، ضواحي دمشق، إذ المعروف أن أكثر المطابع تتواجد في الضواحي)، فمنها ما تعرض للتدمير ومنها ما توقف لعدم قدرة أصحابها للوصول إليها، تعرّض الكثير من مستودعات دور النشر للتلف أو الحرق، الحظر الذي فُرض على الناشرين السوريين من قبل عدة دول عربية مما تسبب بإغلاق أسواق مهمة أمام الناشرين السوريين ، تعطُّل السوق المحلية لأسباب عدة ناجمة عن الحرب: (انخفاض القيمة الشرائية الحاد عند القراء وانهماكهم في تأمين مستلزمات الحياة الأخرى الضرورية، إغلاق كثير من المكتبات في أغلب المحافظات)، الحالة النفسية والقلق الذي يسيطر على القراء.
أما عن الصعوبات التي واجهت دار الحصاد فيقول الأستاذ جامع "أهمها إحراق المستودع الرئيسي للدار والذي كان يحتوي معظم الإصدارات الحديثة ولم يبق منها سوى ما كان قد أرسل للمعارض الخارجية، وفقدان القسم الأكبر من البلاكات المعدنية لقسم كبير من الإصدارات سواء ما كان منها في مستودع الدار الذي أُحرق أو في المطابع التي تعرضت للتخريب أو تلك التي لم يُعرف مصيرها حتى الآن، وفقدان البلاكات المعدنية تسبب في إعاقة كبيرة في إعادة طباعة الكتب التي أُحرقت، أيضا ًفقدان كميات من الورق ــ (لثلاث كتب، مع مجموعة كتب أطفال) ــ الذي كان قد وُضع في إحدى المطابع التي لم يُعرف عنها أي شيء منذ ما يزيد عن أربع أعوام، ويُضاف إلى ذلك التأثيرات العامة التي أصابت الغالبية من الناشرين .هذه العوامل خلقت لنا إرباكاً في متابعة المعارض الخارجية، وبالإجمال تزيد الخسائر التي تعرضت لها الدار عن 20 مليون ليرة بالتقييم الراهن لليرة".
وعن قوانين الحماية "حتى الآن لا أعلم إن كانت هناك قوانين خاصة لحماية الناشرين وتأمين دور النشر والمطابع" وعن العناوين التي أصدرتها دار الحصاد في السنوات الأخيرة يقول: "بقيت اصدارات الدار في السنوات الأخيرة بنفس الاتجاه العام للدار، لكننا أصدرنا عنواناً واحداً فقط (رواية) تدور عن الأحداث الجارية في سورية"، وعن إمكانية اصدار منشوراتهم الكترونيا " نفكر بإصدار بعض كتبنا إلكترونيا كمرحلة أولى لمعرفة مدى نجاحها" وعن العناوين التي تلقى نجاحا "الدراسات النقدية في الفكر والتاريخ والدين، الصادرة عن الدار تلقى رواجاً مقبولاً. وعن طريقة البيع وتوزيع منشورات الدار، "يتم البيع المباشر لإصدارات الدار داخلياً بالتعامل مع بعض المكتبات، التي ما زالت تمارس نشاطها وبخاصة في المدن الساحلية ومدينة دمشق، وتضع الدار أسعاراً خاصة بلا ربح للداخل، وأما في الخارج، فقد قلّت مشاركة الدار في المعارض الخارجية خلال الأعوام الثلاث الأولى من الأزمة، بسبب ما تعرض له مخزون الإصدارات، ومع نهاية عام 2014 عادت الدار إلى سابق عهدها بالمساهمة بالمعارض الخارجية"
وعن رأيه بدور اتحاد الناشرين السوريين "تجربة اتحاد الناشرين السوريين تجربة فتية وجاءت الأحداث فحدّت من نموها بالشكل المطلوب"
وعن وضع توزيع الكتب يقول "تتراجع عملية توزيع الكتاب سواء بداخل البلاد (سورية) وخارجها لأسباب عديدة، منها حالة التوتر وعدم الاستقرار التي تعانيها المنطقة العربية، ومن الصعب تنشيطها في ظل ظروف كهذه إذ يصعب أي تقدم في هذا الاتجاه قبل أن يحدث الاستقرار بكل معانيه (السياسي والاجتماعي والمادي ) إذ لا أحد يُعير أذنا لأي اقتراح الآن بشأن تطوير وتحسين عملية التوزيع”.
طرطوس
أما في مدينة طرطوس الساحلية وهي إحدى المدن المستقرة والتي استقبلت عدداً كبير من النازحين خاصة من مدينتي حمص وحلب ، يوجد فيها بعض دور النشر مثل "دار عروة" للكاتب علي ديبة، ولم تطبع كتابا منذ سنتين، ودار "الأعراف" و يطبع فيها كتاب كل عدة أشهر ودار "قرطاج" وتعمل مع نقابة المحامين حيث تطبع مشاريع أستذة ومرافعات لم يُطبع فيها كتاب خاص منذ سنين. وفي صافيتا "دار الغانم" للشاعر والناشر غانم بو حمود.
الدار الأكثر شهرة في طرطوس والتي تعمل بشكل منتظم وتقوم بإصدار الكتب الأدبية والفكرية هي دار "أرواد" لصاحبها الشاعر الأستاذ أحمد .م. أحمد وحول تأثير الحرب على قطاع الطباعة والنشر يقول:" كأي قطاع آخر، تأثرت مهنة الطباعة والنشر بالحرب، إذ ارتفعت أسعار المواد الطباعية ارتفاعاً خيالياً، وبالتالي أثرت على تكاليف إنتاج الكتاب، إن كان الكتاب المطبوع على نفقة كاتبه، أو الكتاب الذي تتبناه الدار، وفي الحالة الثانية توقفت الدار عن تبني أي كتاب للأسباب السالفة التي أضيفت إليها صعوبات التوزيع، وصعوبات الحصول على المواد اللازمة للطباعة كالورق والأحبار و البلاكات ومواد التجليد بالإضافة إلى غلاء هذه المواد كما أسلفتُ أعلاه، وصعوبات الشحن، انقطاع الكهرباء والإنترنت، وهناك صعوبات تتعلق بالتسويق وضعف الطلب على الكتاب.
وحول واقع القراءة اليوم يقول أحمد "تدنتْ نسبة القراء التي كانت أصلاً متدنية، ربما بسبب غلاء الكتاب، وربما بسبب حالة (العدم) التي سيطرت على القراء، وربما لتدني مستوى الأدب بشكل عام، لكن لا يزال هناك جمهور لبعض أجناس الأدب، كالشعر المحكي والرواية العربية والمترجمة.
وعن وجود قوانين تحمي الناشرين في سوريا ودورهم ومطابعهم أجاب "لا أظن أن هناك قانوناً يحمي دور النشر والمطابع. فقد عثرتُ على مؤلفات الأديب عصام حسن وقد نسخت على آلة (الريزو) في مكان ما وبطبعة رديئة عن الأصل المطبوع (أوفست) الصادر عن دارنا، دون حسيب ورقيب".
وعن عناوين الكتب التي أصدرتها دار ارواد في السنوات الأخيرة، يقول: " لا عناوين تختلف عما قبل الحرب، باستثناء عناوين عن الإرهاب، وداعش. وربما تأثرت بقية الكتب بهذه الحرب لتحمل أغلفتها عناوين كئيبة وسوداوية، ما يشبه دواخلنا جميعاً على الأرض السورية”.
وإن كانوا قد فكروا بإصدار منشوراتهم إلكترونيا؟ يقول "لم يحدث أن نشرنا إلكترونياً، لكن بعض الكتاب يحولون كتبهم إلى إلكترونية بعد نفاد الطبعة الورقية. وتعتبر تجربة البيع إلكترونياً غير مأمونة بسبب عدم وجود قوانين صارمة تحفظ حقوق الملكية الفكرية.
وحول مجال اهتمام الدار و عملية اختيار مخطوطات الكتب يقول:
"تهتم الدار أولاً بالنتاجات الأدبية المكتوبة قبل المترجَمة. وهناك تركيز على التجارب الجديدة الجريئة في الشكل، ومَيل إلى قصيدة النثر على وجه الخصوص، من حيث أن قصيدة النثر تعرضت لـ (الاستسهال)، فغدت بحاجة إلى تشجيع الشعراء الجدد المجيدين في هذا الفن لأن ينشروا قصائدهم ويدخلوا الميدان في مواجهة الغثاثة والاستسهال. وفي الاختيار، هناك سوية لا نحيد عنها لدى اختيار الكتاب، ولستُ وحدي من يقرر، فهناك أصدقاء عديدون أستشيرهم في مدى جودة هذا النتاج أو ذاك.
وعن تجربة اتحاد الناشرين السوريين يقول" لا أعرف عن هذا الاتحاد أي شيء. ولست عضواً فيه حتى الآن". وحول عملية توزيع الكتاب داخل وخارج سوريا وما إذا كان لديهم اقتراحات بشأن تطويرها يقول: " أتمنى أن تعمد (الجهات المختصة) إلى تخفيض أجور الشحن وتسهيل عملية مرور الكتاب عبر المنافذ الحدودية، وأيضاً تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الطباعية التي تدخل في صناعة الكتاب، وربما، حين تتماثل البلاد للشفاء، أن يتمّ دعم هذا المنتَج الآيل للانقراض، مالياً وإعلامياً. أهو نوع من الحلم؟!!
اللاذقية
في اللاذقية عدد من المكتبات التي تبيع آخر إصدارات الكتب أهمها مكتبة "بالميرا"، و"مجد" و"بيطار" ودار نشر وحيدة تعمل بشكل منتظم وهي دار "الحوار" تقوم بإصدار كتب فكرية وأدبية عربية ومترجمة، يقول مديرها الأستاذ نشوان حسن: "الصعوبات التي تعانيها الدار خلال سنوات الحرب هي ارتفاع أسعار تكاليف الطباعة وارتفاع سعر الورق و أجور الشحن. تعتمد الدار على المعارض الخارجية في تسويق وبيع إصداراتها، أما بالنسبة للسوق الداخلية فقد انخفض المبيع بنسبة 80 % ، كما نعاني كناشرين من خسارة بعض الأسواق الخارجية بسبب الحصار والعقوبات المفروضة على السوريين من بعض الدول.
بالنسبة للعناوين التي تصدرها الدار لم تختلف بعد الحرب، ونحن نصدر من 30 إلى 35 عنوانا ً جديداً كل عام، كما نقوم بإعادة طباعة 30 إلى 35 عنوانا ً قديما ً، تعمل الدار بشكل منتظم .
حلب
الأستاذ محمد عبد المنعم صاحب دار نشر (عبد المنعم) في مدينة حلب ( في المناطق التي تحت سيطرة الدولة) وهو لايزال مقيما في حلب ويذهب إلى داره يوميا يقول: "إن النشر منذ بدأت الحرب والحصار على مدينة حلب هو، 0% ، و هذه الحال تشمل جميع دور النشر العشر التي كانت ناشطة في حلب قبل الحرب، فدار "عبد المنعم" للنشر كانت تطبع قبل الحرب من أربعين إلى خمسين عنوانا ً في كل عام، وهي تهتم بالأدب المحلي والمترجم والفكر، لكنها منذ أربع سنوات لم تصدر أي عنوان، ننشر في دار "عبد المنعم" لكتّاب من حلب بشكل أساسي وبنسبة جيدة لغير ذلك، وحول دور النشر الأخرى في حلب يقول ( يوجد بحلب حوالي عشر دور نشر عاملة ،كما يوجد دور نشر كثيرة مرخصة لكنها غير عاملة) وحول الدور الأكثر شهرة في حلب يقول: (أشهر دور النشر دار شعاع وهي متوقفة عن العمل، و دار الإنماء الحضاري لكن توفي صاحبها وتوقفت، و دار القلم العربي وهي شبه متوقفة".
وعن واقع القراءة اليوم يقول " القراءة تحتاج إلى مناخات خاصة وهذه المناخات لم تكن متوفرة ﻻ قبل اندلاع الحرب و ﻻ بعدها، اليوم الناس في مدينتي تبحث عن لحظة حياة”.
وحول تدمير المطابع ودور النشر أثناء الحرب يقول الأستاذ عبد المنعم "نعم لقد دمر عدد من دور النشر والمطابع والمستودعات ، وبسبب الحصار الطويل المدينة تتهالك على كل الأصعدة"
ولدى سؤالنا حول قوانين تأمين يمكن أن تعوض أصحاب الدور والمطابع الخاصة المدمرة أو قوانين تأمين خاصة بالناشرين يقول " لا ، لم اطلع على أي قوانين للتأمين أو الحماية"..
وحول رأيه بتجربة اتحاد الناشرين السوريين يقول: "شخصيا لم أنتسب له ولم تعجبني بنيته: "ليس لدى اﻻتحاد أي حالة تعبيرية عن منتسبيه، وهو غير معبر عن جميع الناشرين، بالإضافة لأمور أخرى لها علاقة بمركزيته".
وعندما توجهنا بالسؤال لرئيس اتحاد الناشرين السوريين هيثم الحافظ إن كان الاتحاد قد قام بحصر الخسائر المادية التي لحقت بدور النشر ومستودعاتها، قال:
"لم نتمكن من القيام بالعمل على أي إحصاء لحصر الأضرار الكبيرة التي وقعت لدور النشر ولمستودعات الكتب وغيرها بسبب الحرب حتى الآن ولا يمكننا القيام بذلك حتى تنتهي الحرب “. وعن الصعوبات التي تواجه الناشرين السوريين: " جميع أصحاب دور النشر يعانون من صعوبات دخولهم ومشاركتهم في معظم الدول بسبب العقوبات المفروضة على كل من يحمل جواز سفر سوري، نحاول مساعدتهم باستصدار تأشيرات خروج و بترتيب مشاركة من يرغب منهم بالمعارض الخارجية "
وعن تأثيرات الحرب الأخرى على واقع الثقافة السورية يقول:
"للحرب جانبين سلبي تحدثنا عنه سابقاً وإيجابي، الجانب الايجابي هو ظهور جيل جديد من الكتاب على الساحة الثقافية بسبب خروج عدد كبير من الأسماء المعروفة التي كانت مكرسة من قبل وسائل الاعلام لسنوات طويلة “.
قطاع التعليم
بالنسبة للقطاع التعليمي:
يقول السيد عبد الحليم غنوم مدير مركز المنار للكتاب MBC الوكيل الحصري لدار نشر ماغروهيل (MCGraw-Hill) التي تقوم بدعم وتوريد الكتب لمعظم المؤسسات التعليمية في سوريا: أهم تأثيرات الحرب على المركز كانت بانخفاض نسبة مبيعات و توزيع الكتب التعليمية بنسبة 75% بسبب إغلاق عدد كبير من المدارس والجامعات الخاصة في كل من دمشق وحلب وحمص، حيث كانت تقع هذه المؤسسات بالقرب من المدن الرئيسية واغلقت بسبب الحرب ولأن عدداً كبيراً من الطلاب والأساتذة هاجر إلى خارج البلاد.
جولة على المكتبات الدمشقية
في الحلبوني:
يقول عمر النوري صاحب مكتبة النوري إحدى أكبر المكتبات في دمشق: “لقد انخفض مستوى القراءة وهو قليل أصلا بنسبة 75% بعد الحرب، والكتب التي تباع قليلة جدا، وهي في معظمها روايات، تبيع المكتبة عناوين مختلفة من كتب التاريخ والفلسفة والقانون وعلوم ولغات، وغيرها، لكن الطلب يكون عادة على الروايات والكتب التي يحتاجها الطلاب في المناهج الجامعية فقط والقوانين السورية التي تقوم دار النشر الملحقة بالمكتبة بنشرها، والتي تهم المواطنين السوريين والمحاميين . كما يقول السيد عمر إن مستودعات المكتبة في حرستا قد دمرت ولا يعلمون عنها أي شيء منذ اندلاع الاحتجاجات والاشتباكات العسكرية، ولا يوجد أي قوانين تأمين تحمي أو تعوض أصحاب المكتبات أو دور النشر أو المطابع في سوريا وكل ما دمر في الحرب يُعتبر أنه دمر بعمل إرهابي وأي شيء يدمر بعمل ارهابي أو تفجير هو غير محمي بالقوانين السورية ولا يطاله أي تعويض تأميني، بسبب هذه الظروف قام العديد من أصحاب المكتبات بتحويل مكتباتهم إلى متاجر تبيع أموراً أخرى غير الكتب.
وحول الإقبال على شراء الكتب يقول أصحاب بعض المكتبات الأخرى كمكتبة الفارابي، وغيرها: إن هناك إقبالاً جديداً، لكنه ضعيف على شراء كتب البرمجة العصبية.
بالنسبة إلى المكتبات التي تبيع المواد الخاصة بالفنانين وبطلاب كليات الفنون من ألوان، وغيرهاكمكتبات (حكيم وألوان والاطلال) تراجعت بنسبة كبيرة جدا تفوق 75% ويعزو أصحاب المكتبات والمتاجر ذلك إلى هجرة معظم الفنانين والشباب، وغيرهم، من البلاد. وإلى الصعوبة الكبيرة في استيراد المواد من خارج البلاد بسبب الحصار الاقتصادي وارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة السورية الذي خفض القوة الشرائية لليرة فعكف الناس عن شراء أي شيء غير الأشياء الضرورية للحياة من طعام وحاجات ضرورية جدا تساعدهم على الاستمرار في العيش داخل البلاد، وكذلك كان الأمر بالنسبة لأصحاب المتاجر التي كانت تورد الأحبار ومستلزمات الطابعات لمؤسسات الدولة والأفراد والذين مع من سبقهم تعرضوا لخسائر فادحة بسبب دمار مستودعاتهم في الأرياف المحيطة بدمشق والمدن الرئيسية التي كانوا يحفظون فيها موادهم لأن أجور المستودعات هناك منخفضة أكثر من أجور المستودعات داخل المدينة معظم هذه المستودعات دمر بالكامل ولا تعويضات قدمت لهم حتى الآن.
المناطق الشمالية خارج السلطة الرسمية للدولة السورية
اندلعت الحرب وخرجت كثير من المناطق عن سلطة النظام السياسي في دمشق. تعقدت الأمور وتعددت السلطات الحاكمة على الأرض في معظم المناطق الشمالية أحرقت المكتبات وقصفت المراكز الثقافية بسبب اتخاذها مراكز للمجموعات المسلحة المتصارعة على الأرض، وأحكمت العديد من القوى قبضتها على مناطق محددة حاولت السيطرة على كل من فيها ومنعت دخول أي شيء إلا تحت مراقبة شديدة وخاصة الكتب والمنشورات، أي منشور كان. تغير نمط ما كان ينشر ويوزع من صحف الدولة الرسمية، وغيرها، وكل ما كان سائداً في زمن ما قبل الحرب ( ما قبل الثورة على النظام السياسي الحاكم) أحرق وأصدرت بدلاً منه صحف جديدة تعنى بالواقع السوري الجديد بعد الثورة وتهتم بالشأن الإنساني والسياسي والواقع اليومي لتلك المناطق، لكن في مرحلة ما حتى هذه الصحف توقفت كما حدث عند دخول الدولة الإسلامية في العراق والشام الى مدينة الرقة مثلاً، والتي أصبحت تمنع كل ما تعتقد أنه يخالف الشريعة، في مناطق أخرى كما في مدينة كوباني (عين العرب) الكردية تسلمت زمام الأمور ما يطلق عليه (الإدارة الذاتية الكردية) والتي يفضل معظم مثقفو كوباني تلقيبها بـ"سلطة الأمر الواقع"، لأنها جاءت دون انتخاب وفُرضت على الأكراد السوريين، وهي تمارس أشد أنواع الرقابة على كل ما يدخل على المناطق الكردية التي تتحكم بها ككوباني وعفرين، وغيرها، وتمارس المنع والإقصاء لكل ما لا يوافقها، معظم ما ينشر في الشمال ويوزع يطبع خارج الحدود السورية في تركيا ويدخل للمناطق والمدن الشمالية، سنعرض لواقع النشر و القراءة والثقافة وماحل به من تغيرات من خلال حوارات قصيرة مع مثقفين وصحفيين من أبناء هذه المناطق.
في مدينة الرقة
يقول الأستاذ الصحفي يوسف دعيس: (لم يكن في الرقة قبل الثورة أي دار نشر حقيقية بالمعنى الحقيقي للكلمة، كان هناك عدد من المطابع اثنتان أضيف إلى عملهما مسألة نشر الكتب وهما مطبعة الاتحاد وكانت قد طبعت عدد من الكتب لا يتجاوز العشرة ، ومطبعة البلاغة واهتمت قليلاً بطباعة الكتب أيضاً لم يتجاوز عدد مطبوعاتها أصابع اليد، وكان هناك دار واحدة للنشر اسمها "الفرات"، ولكنها لم تطبع سوى عدد محدود من الكتب، معظم الكتب كان تتم طباعتها في حلب وحمص ودمشق واللاذقية وبيروت واستثناءات قليلة لكتاب كبار تما طباعة كتبهم في مصر أو أوروبا.
أما بالنسبة للقراءة يقول الأستاذ يوسف كان هناك مكتبة كبيرة في مديرية الثقافة تحتوي أكثر من 30 ألف عنوان تم تدميرها على يد سلاح الطيران وحرقها بالكامل في شهر 3 عام 2013 ، وهناك أيضاً مكتبة اتحاد الكتاب ولم تكن للقراءة كانت لبيع الكتب فقط، وهي مكتبة كبيرة تحتوي منشورات اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة تم حرق كتبها وبيع بعضها بواسطة إحدى الكتائب الإسلامية أظن من قبل جبهة النصرة قبل توغل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وكان هناك عدد من المكتبات الكبيرة التي تبيع الكتب أهمها مكتبة الشهيد ومكتبة السلام وأقدمها بور سعيد وأيضاً هناك مكتبتان أو ثلاث: "اقرأ" و"لفردوس"، بالنسبة للصحف كانت تصدر في الرقة صحيفة واحدة اسمها "الرافقة" عن مديرية الثقافة تهتم بالأدب والثقافة والفكر وهي نصف شهرية.
بعد الثورة قامت شخصيات ثقافية وسياسية وإعلامية بإصدار عدد من المطبوعات منهم أنا واثنان من أصدقائي أصدرنا صحيفة تحت اسم "منازل" أصدرنا منها 12 عدداً، و صدر بمبادرات شبابية أكثر من 20 مطبوعة أسبوعية ونصف شهرية أهمها "منازل" و"ثوري أنا" و"كلمة حرة")، لكن توقف كل شيء عند سيطرة ( داعش) على المدينة.
في كوباني (عين العرب)
يقول الأستاذ محمد علي أحمد وهو مدرس وصحفي من أبناء كوباني: قبل المعارك، واستلام سلطة الأمر الواقع (حكم الإدارة الذاتية الكردية) لكل شيء في كوباني، كان هناك مركز ثقافي عربي تابع لوزارة الثقافة السورية، فيه مكتبة تعد من أكبر مكتبات حلب، ومنهل لطلاب العلم والثقافة، إضافة إلى وجود حركة ثقافية نشطة، من خلال الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني الحديثة العهد، إضافة إلى العديد من المكتبات الخاصة الغنية لبعض المثقفين.
لكن بعد استلام سلطة الأمر الواقع، يمكن تقسيم الأحوال إلى مرحلتين: الأولى قبل دخول (داعش) إلى المدينة حيث بدأت سلطة الأمر الواقع بالتضييق على كافة مناحي الحياة، ومنها الثقافية وقامت بمحاولة احتكار كل شيء، وتلوينه بصبغتها الخاصة ، ووضعت يدها حتى على المركز الثقافي. الثانية بعد دخول (داعش) إلى كوباني فقد دمرت المكتبات الخاصة، وتعرض المركز الثقافي لأضرار كبيرة، كذلك مكتباتها فقد أتلفت أعداد كبيرة من الكتب، والأهم من ذلك، غادر كوباني الغالبية العظمى من المثقفين لذلك، الثقافة والكتاب في كوباني حالياً بلون واحد ورائحة حزبية واحدة، وهم إما لجأوا إلى أوروبا أو لم يعودوا من النزوح، فمع هجوم داعش نزح أهالي كوباني إلى تركيا بينما نزح قسم صغير إلى إقليم كردستان العراق، وبعد إخراج داعش من المدينة عاد حوالي نصف السكان، لكن المثقفين وغير المقتنعين بفكر سلطة الأمر الواقع، ومن لهم فرصة العيش بمكان آخر لم يعودوا، بالنسبة إلى دور النشر في كوباني يقول محمد:
“لم يوجد دور نشر في كوباني أو مطابع رسمياً، لكن بالسر يوجد بعض المطابع فقط، تصدر منشورات حزبية تابعة لسلطة الأمر الواقع ولا شيء آخر، هناك رقابة شديدة على الكتب التي تدخل إلى المدينة أما بالنسبة للإنترنت فلا يوجد سوى الانترنت التركي فقط بحكم أنها منطقة حدودية، أما بالنسبة لواقع القراءة الآن لا أحد يقرأ سوى منشورات الفيسبوك إلاّ من رحم ربي ووجد كتاباً.
وفي المناطق الأخرى في الشمال التي أصبحت خارج سلطة النظام السياسي في دمشق يقول محمد "المناطق التي تحت سيطرة (داعش) صورة طبق الأصل عن مناطقنا، مع تغيير اسم سلطة الأمر الواقع بالنسبة للمناطق الأخرى، كل منطقة لها خصوصيتها حسب الكتيبة العسكرية التي تحكمها، في المناطق الأخرى النشر والطباعة شبه متوقفة. كل ما ينشر اليوم ينشر في تركيا ولا يدخل من هذه المنشورات إلا ما يُسمح بدخوله من البوابات. هناك رقابة شديدة على المنشورات من المتحكمين بالبوابات، ففي المناطق التي تسيطر عليها داعش، تحولت أغلب المراكز الثقافية إلى مقرات أو محاكم للتنظيم، لذلك قصفت، كما حدث في مناطق كجرابلس ومنبج والباب.
جميع الصحف والجرائد والمجلات السورية التي توزع في الشمال تطبع بتركيا، يمكن القول إن المجتمع المدني السوري انتقل إلى تركيا ولبنان بل وتطور أيضاً، لأن هنا بتركيا ولبنان مجالات أوسع للنشر والتواصل والتوزيع، وحتى التمويل عن طريق المنظمات الدولية،
وحول عدد المنشورات التي تدخل تلك المناطق يقول "قسم قليل، حسب مشيئة من يتحكم بالبوابة، التي تتحكم بها فصائل إسلامية أو كردية ويسمح بدخول المنشور من صحف وغيرها إذا كان مضمونه لا يحتوي ما ينقد الفصيل المتحكم بالبوابة".
صدرت في المناطق الشمالية عدة منشورات منها مجلة " سنابل" من الحسكة و مجلة "فانوس" وتصدر من عامودا بالعربية والكردية والسريانية ومجلة "ربيع"، وتصدر عدة مجلات في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق منها "خويبون" رئيس تحريرها جان بابير كما أنشأت نقابة للصحفيين الكورد السوريين تحت رعاية وزارة الإعلام في إقليم كردستان العراق تقيم دورات للصحفيين الناشطين من كرد وغيرهم..
خارج الحدود
في دول الجوار
بدأت حركة نشر سورية واسعة خارج حدود الوطن بداية من دول الجوار إلى دول المهجر واللجوء البعيدة ففي تركيا صدرت عدة منشورات منها جريدة "تمدن" وتصدر من اسطنبول وتوزع على السوريين في تركيا وفي الداخل السوري يرأس تحريرها الصحفي "دياب سرية”. مجلة "تواصل" كان يرأس تحريرها الكاتب والصحفي السوري نجم الدين السمان توقفت بسبب صعوبات التمويل، مجلة "حنطة" وكان رئيس تحريرها الصحفي ناجي الجرف الذي قتل برصاصة مسدس كاتم للصوت في مدينة غازي عنتاب التركية، وصحيفة (كلنا سوريون) ورئيس تحريرها الأستاذ بسام يوسف التي تصدر من تركيا يقول: "نحن صحيفة مطبوعة وإلكترونية نطبع ورقياً ولدينا موقع إلكتروني. نوزع في تركيا ونسبة القراءة جيدة هنا لأن الحدث السوري ساخن ومتغير يوميا، ولأننا نوزع جريدتنا مجانا ً، نطبع كل عدد 7500 نسخة يوزع منها داخل سوريا 4200 عدد والباقي يوزع في تركيا، وعند سؤالنا إن كانت صحيفتهم قد منعت من عبور الحدود، يقول: "نعم أغلب الصحف تمنع من الدخول أحيانا جريدتنا مُنعت أكثر من خمس مرات، لكن نعود للمحاولة أكثر من مرة وننجح في النهاية.
وصدرت في الأردن عدة منشورات لناشرين سوريين منها جريدة "الكرامة" وتصدر في عمان توزع في الداخل السوري خارج سلطة الدولة الرسمية في المناطق الجنوبية ودرعا وريف دمشق، ومجلة "بناة المستقبل" ويرأس تحريرها الدكتور رياض نعسان آغا.
وفي القاهرة تصدر جريدة "سوريا اليوم" وهي سياسية ثقافية يومية يشرف عليها شباب سوريون.
في الدول الأوروبية
في ألمانيا صدرت جريد "أبواب" وهي أول صحيفة يصدرها لاجئون سوريون في ألمانيا، وهي صحيفة سياسية ثقافية مجتمعية مستقلة، و توزع مجاناً و تصدر شهريا. تم إصدار 45 ألف نسخة من عددها الأول وتوزع بالتعاون مع وزارة الهجرة في المخيمات الرئيسية، وأماكن وجود اللاجئين السوريين والعرب، وهي مكونة من 20 صفحة تتضمن الأخبار الدولية والمحلية، كذلك تتضمن أخبار السكان العرب داخل ألمانيا، وتهتم أيضاً بتقديم المعلومات للوافد الجديد إلى ألمانيا، من خلال ترجمة بعض القوانين وبعض بنود الدستور الألماني إضافة إلى اطلاعه على مواضيع الدراسة في ألمانيا بما فيها دورات اللغة". و"تخصص صفحات للمرأة والنسوية، وإضاءات على قصص النجاح والنجاة والأمل... هذه المواضيع التي يحتاج إلى سماعها السوري القادم إلى ألمانيا".
وفي السويد ومن مدينة ستوكهولم تصدر مجلة السلام الدولية لصاحبها صبري يوسف، وهي مجلة أدبيّة ثقافيّة فكريّة فنّية سنويّة مستقلة صدر منها حتى الآن ثلاثة أعداد.
خاتمة
من خلال بعض الحوارات و محاولة رصد ما تيسر من الواقع الحالي للنشر في سوريا نلاحظ أن هناك واقعين مختلفين أنتجتهما سنوات الحرب:
الأول: حالة إرباك كبيرة تعيشها معظم دور النشر السورية الموجودة في الداخل السوري، والتي لم ينج منها إلا القليل الذي كانت مستودعاته تقع داخل أماكن مستقرة، أما الباقي وهم النسبة الغالبة فقد تعرضوا لخسائر فادحة، تحاول بعض الدور الصمود من خلال مشاركتها المحدودة في المعارض الخارجية، حيث أغلقت الكثير من الأسواق في وجهها بسبب العقوبات والحصار، بالإضافة إلى السوق الداخلية التي أصبحت شبه متوقفة بسبب الأحوال المعيشية الصعبة جدا، وهجرة عدد كبير من المثقفين والقراء خارج البلاد.
الثاني: في المقابل هناك واقع آخر نتج عن الحرب وهو نشاط المثقفين السوريين خارج البلاد والذي ترجم بصدور عشرات المنشورات الجديدة التي تواكب تطور الحدث السوري بكل تنوعاته و أحوال السوريين في الداخل والخارج، وبالتالي يحاول المثقف السوري أن ينتج فضاءً ثقافياً جديداً، رغم كل الصعوبات التي يواجهها المثقفون من أصحاب المشروع المدني خاصة من ناحية التمويل لمجلات تعنى بالشأن الإنساني والثقافي بالدرجة الأولى، وخاصة المثقف السوري المستقل الذي يحاول أن يعمل على القضايا الإنسانية والفكرية بعيداً عن تجاذبات الأقطاب السياسية.
Comments