سبعة آلاف مدرسة خارج الخدمة: «لغة الحرب» على مقاعد الدراسة
بعدما دمّرت الحرب آلاف المدارس وقتلت مئات المدرّسين والطلّاب، وتسبّبت بتعطيل العمليّة التربوية في الكثير من المناطق، ها هي تترك مفرداتها تتسلّل إلى أذهان الطلّاب، لتستحوذ على عقولهم، وتتبدّى في سلوكياتهم
دمشق | أربع سنوات من الحرب تركت آثارها السلبيّة في مختلف نواحي الحياة، ولم تستثن الطلّاب، إذ أمطرتهم بأزمة سلوكيّة وتعليميّة، لتعود ظاهرة التسرّب من المدارس إلى الواجهة، بعدما أوشكت على التلاشي، قبل السنوات الأربع الماضية. وبينما تبدو الظاهرة واقعاً ملموساً على الأرض، فإنّ إحصائيات وزارة التربية تقول عكس ذلك. كما أنّ أطفال سوريا، اليوم، غادرت البراءة ملامحهم، بعدما تسرّبت لغة الحرب إلى مدارسهم، لتطغى على أحاديثهم وتصبغ كلماتهم بصبغة عسكرية، وتلوّن تعابيرهم بألوان السياسة القاتمة.
المدرّسة سمحية عثمان التي أمضت 23 سنة في التدريس، توصّف حال طلّاب اليوم، في حديث إلى «الأخبار»: «يتحدثون عن أنواع الأسلحة وطرق القتل وحالات الموت. حتى ألعابهم وحركاتهم تحمل الكثير من العنف. لا يمكن القول إن هذه التصرفات مرتبطة بنشأتهم، أو طريقة تربيتهم، بل هي مجرّد ردود أفعال آنيّة للظروف التي يعيشونها، في هذا الوقت». وتوضح عثمان أن الحالة العامّة للطلاب، هي «عدم استقرار نفسي، انعكس على أغلب سلوكياتهم، سواء في المدرسة أو خارجها». أمّا إباء علي، المشرفة في مدرسة بنات الشهداء، في العاصمة دمشق، فتشير إلى حالات مختلفة: «ظهرت الانطوائية لدى بعض الطالبات، فتجدهن منعزلات عن باقي زميلاتهن، ويتجنبن الحديث مع المشرفات والمدرسات. بعضهن فقدن الأمل بالمستقبل، ووصلن إلى حالة نفسية سيئة، وأخريات استطعن التأقلم بعد فترة. ورغم ذلك، فأغلب الطالبات، وخاصة من هنّ في مرحلة المراهقة، أصبحن يحملن طباعاً قاسية جداً». وتؤكّد المدرّسة في كلية علم النفس، في جامعة دمشق، الدكتورة منال جنيد، وجود حالة مرضية نشأت بين الأطفال نتيجة تراكم العنف الذي يتعرضون له، وتشرح ذلك بالقول: «الظروف الصعبة التي خلّفتها الحرب لأسرهم من ضيق معيشة وعدم شعور بالأمان، شكّلت حالة تتصف بصعوبة المعافاة، وتسبّبت بخلل المنظومة الاجتماعية بشكل عام. ويتضح ذلك في سلوك الطلاب مع أقرانهم، وما يصدر عنهم من حالات عدوانية، والسعي إلى الرفض الدائم لكلّ ما هو إيجابي من حولهم. ويصل الأمر، أحياناً، إلى عدم الامتثال لأوامر المدرسين، وحتى الأهل، وغيرها من السلوكيات غير السويّة».
تأرجح المستوى الدراسي
ترافق التغير في سلوكيات الطلاب مع حالة انخفاض في مستوى التحصيل الدراسي، لم ينج منها إلا قلّة ممّن أصروا على الحفاظ على تفوقهم، رغم كلّ المحن. وبحسب المدرّسة سميحة عثمان، فإن النشاط الصفّي لأكثر من 70% من الطلاب (في المدارس التي تدرّس فيها) أصبح دون مستواهم المعروف سابقاً، وتقول: «لم يصل ذلك إلى حدّ ضعف المستوى الدراسي، إلا أن التفاعل والمبادرة خلال حصص الدراسة، انخفض بشكل ملحوظ عند الغالبية. ومن حافظ على مستواه هم المتفوقون فقط». وهو ما تؤكده، أيضاً، المدرّسة أوراس خليفة، مضيفة: «يعاني الكثير من الطلاب من الشرود أثناء إعطاء الدروس وفقدان الرغبة بالتعلم، وحتى بممارسة الهوايات. كما ابتعد أغلبهم عن المطالعة، وأصبحوا سلبيين إلى حدّ كبير». وتبرّر المرشدة النفسية، غالية سقباني، والتي تعمل في إحدى مدارس دمشق، وفي عدد من مراكز الإيواء، أسباب التأخّر الدراسي عند الطلاب الذين نزح ذووهم من أماكن سكنهم الأصلية، بالقول: «فترة النزوح، وترتيب الأوضاع في أماكن الإقامة الجديدة جعلا الطالب يتأخر دراسياً عن أقرانه، وخاصّة مع وضعه في صفّ أدنى من مستواه العمري، ما شكّل لديه ردّة فعل سلبية تجاه التعلم، ومظاهر عدوانية مع زملائه، تمثلت بتعطيل وقت الجماعة، ووصلت إلى حدّ الضرب، أو السرقة.
أرقام التسرب سياسية!
نشرت أصلا هنا
Comments