تطييف التعليم في العراق
Posted on March 25, 2014
by
Tadween Editors
| 0 comments

*احمد علاء
المدرسة، بمناهجها الأكاديمية وكتب تاريخها والمواد المتعلقة بالدين، قد تكون المكان الأكثر خطورة لجهة تمكن الاعتبارات الطائفية والمذهبية من اختراقه في عراق ما بعد احتلال عام 2003. مدارس بلاد الرافدين تعيش مشاكل يومية ناتجة عن نظام المحاصصة الطائفية الذي يطبع "العملية السياسية" العراقية. وكانت وزارات التربية السابقة أجرت تغييرات على المناهج الأدبية للمراحل الأساسية مثل التاريخ واللغة العربية والتربية الإسلامية وذلك على الرغم من اعتراضات عامة شملت العديد من النواب في البرلمان. ويشير المعلم محمد رضا في مدرسة العقيدة الابتدائية الى أن مناهج مواد التربية الإسلامية والوطنية والتاريخ تغيرت أربع مرات خلال ثماني سنوات!
يعيش تلامذة المدارس وذووهم أزمات لا تُحصى. قصة سامر، (6 سنوات)، التلميذ في الصف الأول ابتدائي، عيّنة منها. فقد وقعت أسرته في حرج لأنّ أمّ سامر تؤدّي الصلاة من دون استخدام ما يُعرف ب "التربة" (القرص الذي يوضَع تحت الرأس عند السجود) التي يستخدمها أبناء المذهب الشيعي، بينما تصرّ مدرِّسته على اعتمادها في الصلاة التي "تُعَدّ باطلة من دونها". وتعرب أم سامر عن أسفها: "لم نكن نتعرض إلى مثل هذه المواقف في زمن النظام السابق، لأنّ المناهج في حينها كانت تركّز على النصوص القرآنية فحسب، وكان التوجه العام في ذلك الوقت يتمثل بإخفاء الانتماء المذهبي، وعدم الحديث عنه، ناهيك بفرضه على التلاميذ". وتستدرك بأنه "بعد عام 2003 ، تغيرت المناهج، وأخذ أطفالنا يتعرفون على قضايا غير متداولة داخل أسرهم". وفي السياق، لا يخفي الطالب رامي عياش انزعاجه من إصرار وزارة التربية على إدخال بعض المفاهيم "مثل مفهوم الخُمس الذي تعدّه مادة التربية الإسلامية من العبادات التي يجدر بالمسلم أداءها"، بينما طائفته السنية لا تعتبر أنّ ذلك من العبادات.
تعززت هذه الظاهرة أثناء تولي النائب الحالي لرئيس الجمهورية، خضير الخزاعي، القيادي في حزب "الدعوة الإسلامية ــ تنظيم العراق"، منصب وزير التربية في الحكومة السابقة لنوري المالكي. في عهده، شهدت المدارس الابتدائية في بعض أحياء بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق، مظاهر فرض الحجاب على الفتيات، وإحياء طقوس مناسبات دينية من قبيل أيام عاشوراء، ويوم الغدير، ووفاة وميلاد فاطمة الزهراء، وكذلك بقية الأئمة الاثني عشر. وتركت تلك المظاهر استياء لدى عدد كبير من ذوي التلاميذ "الشيعة" أنفسهم، في حين أنها لم تجد من يطبّقها في مدارس محافظات وأحياء ذات غالبية سنية بشكل عام.
وهناك تضييق يتجاوز هذا المستوى. فقد اضطُرّت التلميذة فاطمة كاطع، من الصف الخامس ابتدائي، إلى ترك الدراسة بعد تعرُّضها لإحراجات متكرّرة من قبل مدرِّستها التي طلبت منها أن "تتحلّى بصفات تنسجم مع قدسية وشرف اسمها"، من نوع حثّها على ارتداء الحجاب وأن تكون نظيفة على الدوام، وأن تؤدي الفرائض من صوم وصلاة. يقول والدها "نحن نعيش في منطقة أغلب سكانها يعملون باجر يومي في معامل إنتاج الطابوق (حجر البناء)، ومعظم أطفالنا خارج المدارس، باستثناء أعداد من البنات، ومنطقتنا تشكو شح الماء وانعدام الكهرباء. وطلبات المعلمة لا يمكن توفيرها، فطلبت من ابنتي ترك الدراسة والاهتمام بأخواتها الصغار، لأنني مع أمها منشغلون في المعمل". ويضيف: "العراق بلد غني، ولكن شعبه يعيش مرارة الفقر والعوز"
وعلاوة على ذلك، فإن عدم تدريس المسيحيين والإيزيديين والصابئة مثلاً هذه المادة، يؤدي الى حرمان التلامذة من هذه الطوائف من رفع معدلاتهم النهائية، بينما الشعب العراقي متنوّع الانتماءات الدينية والمذهبية.
الأزمة لا تقتصر على التلاميذ، إذ تطال الأساتذة أيضاً، وهو ما حصل مع "أم لمى"، المدرِّسة منذ أكثر من عشرين عاماً في إحدى مدارس بغداد، والتي تعترف بأنها في حيرة من تعليم مفاهيم لم تألفها. كلام المدرِّسة يتخطّى مشكلة "أسلمة" المنهج التدريسي، ليطال المنهج التربوي عموماً، فهي تشير مثلاً إلى خلوّ مناهج التاريخ، سواء في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية من أي ذكر للحرب العراقية ـ الإيرانية وكأنها لم تقع. وكذلك طغيان مفردات جديدة، فبدل "النظام الصهيوني" مثلاً تستخدم اليوم تسمية "إسرائيل"، وإيران هي "الجمهورية الإسلامية في كل الأوقات.

Comments