Log-in
Search

المناهج الدراسية من منظور جديد

Posted on July 10, 2015 by Tadween Editors | 0 comments
يعد "تدوين للنشر"، (الديوان) ملفاً حول المناهج الدراسية في المدارس العربية ودورها في التكوين المعرفي والثقافي للطالب عبر مراحل الدراسة، منذ المرحلة الابتدائية وحتى نهاية المرحلة الثانوية. وقمنا بطرح الأسئلة التالية على عدد من الكتاب والأكاديميين والصحفيين والفنانين، وستُنشر الإجابات تباعاً على تدوين.
١- بصرف النظر عن تعلم القراءة والكتابة، ما الذي أحببته في المناهج الدراسية المقررة في مراحل دراستك المختلفة حتى الحصول على الثانوية؟
٢- هل ساعدت هذه المقررات في تغيير نظرتك إلى الواقع؟
٣- من موقعك الحالي الآن، هل تشعر بأن تلك المقررات كانت مواكبة للتطور المعرفي والعلمي والتربوي في العالم؟
٤- هل تحدث هذه المقررات قطيعة مع الثقافة التقليدية أم تجاملها وتغذيها وتحافظ عليها بطريقة ما؟
٥- هل يؤدي التعليم المستند إلى هذه المناهج دوره الحقيقي في إنشاء أجيال قادرة على الإدارة والحكم في العالم العربي؟
المدرسة الدينية ومدارس الأحزاب الفاعلة على الأرض

أحمد اسكندر سليمان*

1 _ ربما كنت من جيل محظوظ إلى حد كبير، وربما كنت من ذلك الجيل الأخير من المحظوظين، حتى الحصول على الشهادة الثانوية عام 1973، فحتى ذلك الوقت كانت القراءة هي الفعل الذي يكتنز طاقة التغيير والإعداد للمستقبل. كان المعلمون من جيل قديم يمكن تسميته بجيل الآباء المؤسسين الذين حاول أن يصنع دولة وطنية بعد الاستقلال، وكان له دور حقيقي في إعداد أجيال مهمة تعتمد على القراءة وتتميز بعقلانية عالية وتسامح لن يكون موجوداً بعد وقت لن يكون طويلاً عند ظهور الجماعات المسلحة في نهاية السبعينات.
نشأتُ في مدينة صغيرة خلال الستينات وبداية السبعينات وكنت لاعباً في فريق كرة السلة وسباحاً للمسافات الطويلة ولقد منحتني الرياضة فرصة واسعة للتعلم والاحتكاك والاختبار لم تكن تمنحها المناهج التي كانت تقرأ العالم من خلال أطر محددة كما لوكانت كتباً مقدسة تؤسس لعقائد هي الأخرى، ولقد كانت لي معاركي مع أستاذ التربية الدينية كما كانت لي معاركي مع أستاذ الفلسفة الشيوعي الذي لم يكن أقل تشدداً من أستاذ الديانة، بالإضافة إلى مدرب التربية العسكرية وذلك الموجه الذي لم يكن يتردد بضرب الطلاب بعصا كان يحملها أحياناً ويهدد بها حين تكون بيده .. كان من الممكن أن تكون المدرسة أكثر جمالاً وأكثر فعاية وأعلى أداء من دون تلك الدروس الغريبة في التربية الدينية والتربية القومية وفقاً لرؤية حزب البعث والتربية العسكرية .. كان ذلك على حساب الموهوبين الحقيقيين في المدارس، الموهوبين في الموسيقا والفنون والآداب الذين يحتاجون لمساحات وإرشاد وتوجيه من نوع خاص لم تكن تلك المناهج تدرك أهميته .. ومع ذلك أقول بأنني من جيل محظوظ يعمل من خلال القراءة التي ستدمرها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي راحت تلوح في الأفق منذ بدأ تركيب صحون استقبال البث الفضائي في مجتمع لم ينجز قراءته، في مجتمع شبه أمي أعيد عقب كل انقلاب إلى نقطة الصفر التي يجب أن يبدأ منها .. مجتمع سيحاول إعطاء الحداثة وما بعدها هويته حين يقطف منجزاتها دون الطريقة التي أنجزتها .
2 _ أقول دائماً بأن تربية الطفل في قرية قد تكون أكثر ايجابية من تربيته في مدينة قد تشكل هجوماً على آليات الاستقبال لديه .. المدينة التي نشأت فيها مدينة صغيرة تساهم ساحاتها وشوارعها وحقولها بتربية أبنائها لأن الجميع فيها يعرفون بعضهم جيداً .. في المدرسة الابتدائية وهي مدرسة زراعية كان ثمة مقرر هو ( الزراعة ) كان مهماً للغاية، كنا نساعد بزراعة الشوارع بالأشجار وكنا نربي الصيصان في المدرسة .. كان هذا شيئاً مثيراً وخارقاً بالنسبة لنا .. من الممكن أن تكون دروس الفنون بنفس القدرة على التأثير .. الرياضة والموسيقا يمكن أن تفعل الكثير في الاتجاه الصحيح .. دروس الديانة والتربية القومية والعسكرية يمكن أن تفعل هذا ولكن في الاتجاه الخاطئ بالتأكيد .. ربما كانت القراءة خارج المدرسة هو ما أنقذني وما آذاني في نفس الوقت فأنت لايمكن أن تكون حقيقياً تماماً في مواجهة القطيع الذي يتقن الولاء .
3 _ للعلوم هويتها التي لايمكن تزويرها، فأنت لايمكن أن تقول بأن الأرض ليست كروية دون أن تكون عرضة للهزء، العلوم تستند لقوانين ونظريات تضع فرضيات تحاول التأكد من صحتها استناداً إلى بديهيات وإلى ماهو منجز وأثبتت صحته .. المسخرة هي في قبول النتائج العلمية ومحاولة التأكيد بأن النتائج التي تم تأكيدها تؤكد الرؤية الدينية أو الرؤية التاريخية لهذا الحزب أو لهذا الحزب الآخر .. هذا ناشئ بشكل خاص عن ثقافة التقاط تؤكد الملكية بالحيازة وليس بالبرهان العقلي .. هذه الثقافة التي تدمر المدن في المنطقة منذ آلاف السنين حتى الآن .. بكل الأحوال لن أتمكن من فهم ومعنى أن يتجاور مقرر ديني مع مقرر علمي .. الأول يقرأ الحاضر بآليات الماضي، والثاني يقرأ الماضي بآليات الحاضر .. ما الذي تهيئه هذه المناهج غير الكارثة .
4 _ قد لا أكون مؤهلاً للحكم على نظام تعليمي بشكل كامل، ولكنني سألتزم حدود السؤال الموجه .. هكذا سأقول وأنا مرتاح البال، بأن أحد أسباب الأزمة التي تعيشها سوريا والحرب الدائرة فيها يعود إلى النظام التعليمي الصعب في مراحله الأولى بشكل خاص والذي أدى إلى هروب وتسرب عدد كبير من الطلاب الذين لم يحتملوا صعوبة المناهج ولا يملكون القدرة على الدفع لأساتذة خصوصيين في البيت إلى الحلقات الدينية في الجوامع والتي تهدف إلى تغيير بنيوي في المجتمع السوري وفقاً لتصوراتها الدينية المحددة .. قد تكون صعوبة المناهج ناتجة عن الوقت المسروق لصالح مقررات لن تقدم أو تؤخر في عملية التحصيل العلمي .. هذا الهدر هنا هو  الذي سيتم تعميمه بشكل تستحوذ فيه القوى غير المنتجة على ما تنتجه القوى الحقيقية في المجتمع .. وكانت هذه المناهج وطرق إيصالها تهدف إلى إنتاج الفئات الطفيلية حين تقبل بمسلمات نهائية غير قابلة للمساءلة العقلية والعلمية .
5 _ قد تكون المناهج معقولة وتؤدي غرضها العلمي ولكن إدارة المجتمع والمدينة والمشروع مسألة مختلفة تماماً عما هو موجود في كتاب الفيزياء أو الرياضيات .. لا يمكن لعالم رياضيات أن يكون سياسياً بارعاً، فالعلاقة الرياضية هي غير العلاقة السياسية حتى لوكانت البديهيات الرياضية متداولة لتقاربات في حالتها الدنيا في السياسة، أيضا قد تكون الأديان مدارس مهمة في الحكم قابلة للدراسة وفق هذا المنظور التاريخي غير المقدس ولكنها ستكون مسؤولة بالتأكيد عن الحياة في القرن الحادي والعشرين بمعايير القرن الخامس والرابع الميلاديين .. هناك مدرستان للحكم في المنطقة .. المدرسة الأولى هي المدرسة الدينية والثانية هي مدارس الأحزاب الفاعلة على الأرض .. مدرستان أنتجتا كثيرا من الخراب ومازالتا تفعلان هذا حتى الآن حين تصران على قراءات خاطئة وتحاولان تعميمها بالقوة .. ثمة بديهيات هوت إلى الحضيض بعد الحرب الملعونة الدائرة في سورية .. الهوية .. الدولة .. التاريخ .. نظام التعليم .. ومازالت أحجار الدومينو تتهاوى .. نصف المجتمع السوري الآن خارج بلاده والنصف الآخر يتقاتل على الأرض مع بعضه ومع غزاة يعبرون كما في كل مرة منذ آلاف السنين في البلاد العمياء .
* أحمد اسكندر سليمان شاعر وقاص ونحات سوري يقيم في ألمانيا، صدرت له عدة مجموعات قصصية وشعرية، كما قام بتحرير أنطولوجيا القصة القصيرة السورية في ثلاثة أجزاء وعمل كمحرر في مجلة ألف.
Previous Next

Comments

 

Leave a reply

This blog is moderated, your comment will need to be approved before it is shown.

Scroll to top